مـن المؤكد أننا نريد ان نرى مسابقه شرسة للغاية على لقب الدورى الانجليزي الممتاز، ولا نأمل رؤية فريق واحد يسحق جميع المنافسين ويحسم المنافسة مبكراً، ونريد ان نرى قتالاً شرساً على كل نقطه فى كل مباراة، وأن نشعر بأن فرص كل فريق فى المنافسة تتعرض للخطر.
فى الحقيقة، يمكن استخلاص 3 أمور مـن المباراه التى انتهت بالتعادل السلبى الاسبوع الماضي، بين ليفربول ومانشستر يونايتد؛ الامر الاول هو ان يونايتد يعاني بشدة بالفعل فى الوقت الحالي، لكنه على الأقل يدرك ذلك ويعترف به. ومن المفارقات ان هناك شيئاً يستحق الإعجاب بشأن الطريقة العملية والبراغماتية التى لعب بها النادي، حيـث خَاض مباراته امام ليفربول كأنه فريق مهدد بالهبوط! لقد كان الامر مختلفاً تماماً عما حدث فى موسـم 2017 – 2018، عندما قاد المدير الفنى البرتغالي جوزيه مورينيو مانشستر يونايتد الي ستاد «آنفيلد» ولم يُظهر اى طموح تقريباً، وتعادل مـن دون اهداف، وبدا مرتبكاً بشكل غريب بسـبب الانتقادات التى ترصد لها فى أعقاب ذلك. فى تلك الفتره، كان ليفربول يعاني بشدة ولم يفُزْ إلا مرة واحده فقط فى مبارياته الثماني السابقة، اما فى المباراه الاخيره، فإن الهولندي إريك تن هاغ كان يقابل فريقاً فـاز فى كل مـن مبارياته السبع السابقة على ملعبه بالدوري هذا العام.
اما الامر الثانى، فهو ان الفرنسي رافاييل فاران لا يزال مدافعاً قوياً وصلباً ويمتلك صفات القيادة دَاخِلٌ المستطيل الأخضر بشكل ملحوظ، لذا كان غيابه عَنْ المشاركة فى المباريات اثناء الأسابيع القليلة الماضية أمراً محيراً. وقد أوضح تن هاغ ذلك بالقول إنه يريد لاعباً يجيد اللعب بالقدم اليمنى ليلعب فى الجانب الأيمن مـن قلب الدفـاع، على ان يكون هناك لاعـب يجيد اللعب بالقدم اليسرى على اليسار، لذلك فإن تقديم هاري مغواير لمستويات جيدة جعلته يحجز مكاناً له فى التشكيلة الأساسية على حساب فاران (لكن ذلك فى الحقيقة لا يفسر اختيار السويدي فيكتور ليندلوف، الذى يجيد اللعب بالقدم اليمنى، امام إيفرتون وتشيلسي!). وفي مباراة ليفربول، لعب جوني إيفانز على الناحية اليمنى، بينما تألق فاران بشدة على الناحية اليسرى – على الرغم مـن ان هذا الامر قد لا يعمل بشكل جيد فى مباراة يريد فيها مانشستر يونايتد للاستحواذ على الكره بشكل أكبر ويحتاج الي بناء الهجمات مـن الخلف بشكل جيد.
اما الامر الثالث، فيتمثل فى أنه على الرغم مـن ان ليفربول دخل شهر ديسمبر (كانون الاول)، وهو يعتلي ترتيـب الدورى الانجليزي الممتاز (تراجع بعد ذلك وراء آرسنال)، فإنه بعيد كل البعد عَنْ مستوى النادي الذى فـاز بالالقاب فى موسـم 2019 – 2020 أو النادي الذى أنهى العام متخلفاً بفارق نقطه وحيدة خلف مانشستر سيتي فى موسمي 2018 – 2019 و2021 – 2022. ربما يصل ليفربول الي هذا المستوى اثناء الفتره القادمة، خصوصاً أننا لم نصل بعد الي نصف العام. ولا يزال بإمكان فريق المدرب الألماني يورغن كلوب الفـوز بالالقاب، لأن الفرق الاخرى تعاني مـن كثير مـن نقاط الضعف أيضاً، لكن الأداء الضعيف الذى قدّمه ليفربول امام يونايتد يثير كثيراً مـن الشكوك.
لقد كانـت المشكلة الرئيسية التى يواجهها ليفربول هذا العام تتمثل فى عَدَّدَ المرات التى تأخر فيها فى النتيجة. صحيح ان شبـاك النادي لم تستقبل سوى 15 هدفاً حتـى الان، ليكون ليفربول صاحب أقوى خط دفاع فى الدورى الي جانب آرسنال، لكن معظم هذه الأهداف كانـت هى الأهداف الأولى فى المباراه، حيـث تأخر ليفربول فى النتيجة 9 مرات مـن أصل 17 مباراة لعبها حتـى الان، لكنه خسر مباراة واحده فقط مـن تلك المباريات، وحصل على 18 نقطه، وهي حصيلة رائعة مـن المباريات التى تأخر فيها فى النتيجة أولاً. بينما مباراة مانشستر يونايتد هى أول مباراة يفشل فيها ليفربول فى التسجيل هذا العام، وهو الامر الذى يعد غريباً للغاية، نظراً لأن النادي سدد 34 تسديدة على المرمى.
ومع ذلك، جاءت نصف تلك التسديدات الـ34 مـن خارج منطقه الجـزاء، واصطدمت أغلبها بأجسام لاعبى مانشستر يونايتد بشكل مباشر، واتخذ اللاعبون خيار التسديد بشكل سيئ، رغم أنه كانـت هناك خيارات أخرى افضل بكثير. وأخطأ صلاح ودومينيك سوبوسلاي فى التمرير كثيراً. وسدد جو غوميز، الذى لم يسجل اى هـدف فى مسيرته مع النادي الاول على مدار 10 اعوام كاملة، تسديدتين على المرمى، وهو ما لا يعد علامة جيدة على الإطلاق!
يمتلك داروين نونيز كثيراً مـن الصفات الجيدة، لكنه يفتقر للدقة امام المرمى. وبعدما نجح فى التسجيل بـ3 مباريات متتالية، فشل الان فى التسجيل بآخر 10 مباريات له مع ليفربول. إنه يمتاز بالقدرة على خلق الفوضى فى صفـوف المنافسين بسـبب تحركاته المستمرة، لذلك فإنه يكون أكثر فائدة فى المباريات التى لا يسيطر عليها ليفربول. وبالنظر الي البطاقتين الصفراوين اللتين أظهرهما مايكل أوليفر فى وجه ديوغو دالوت بسـبب الاعتراض فى الوقت المحتسب بدل الضائع، فقد كان نونيز محظوظاً جداً لعدم حصوله على البطاقة الحمراء بسـبب رد فعله العنيف بعد الحصول على انذار بعد تدخله على إيفانز بعد مرور 21 دقيقة.
لكن ربما يكون كل هذا شيئاً متأصلاً فى الطريقة التى يعتمد عليها يورغن كلوب. عندما يطالب جوسيب غوارديولا لاعبى مانشستر سيتي بالسيطرة على المباريات، فإنه دائماً ما يكون سعيداً جداً بالسماح لبعض اللاعبـين باللعب بشراسة كبيرة مـن اجل تعطيل هجمات المنافسين الخطيرة. وتلعب الفرق التى يتولى غوارديولا تدريبها بعناية وهدوء وتنظيم، وتعتمد على التمرير القصير والدقيق وإنهاء الهجمات بشكل بسيط وسهل امام المرمى. وفي المقابل، يطلب كلوب مـن لاعبيه ممارسة الضغط العالي والمتواصل على المنافسين، وكان قد اعلن بعد وقت قصير مـن وصوله الي إنجلترا قبل 8 اعوام الي ان الضغط الجماعي الهائل هو أعظم صانع ألعاب على الإطلاق، لانه يمكن النادي مـن استعادة الكره، ثم يأتي بعد ذلك المجال للابتكار والتألق والفردي.
لكن كرة القـدم تتغير باستمرار، والناس يتطورون، فلم يعد غوارديولا يلعـب بالطريقة نفسها التى كان يعتمد عليها مع برشلونه، حيـث ضـم مهاجماً صريحاً تقليدياً وهو إيرلينغ هالاند، وجناحاً يلعـب بشكل تقليدي ويفضل المراوغة على التمريرات السريعة وهو جيريمي دوكو. كَمَا تحدث كلوب، وأصبح يبحث عَنْ حلول أخرى غير الضغط المتواصل على المنافس. سيظل ليفربول يضغط على المنافسين بكل قوة ويتفوق عليهم، خصوصاً ان عدداً قليلاً مـن الفرق التى تفتقر الي الطموح لديها مدافعون مثل فاران! عادة ما يؤدي تسديد 34 تسديدة الي إحراز هـدف، حتـى لو كان معظم هذه التسديدات بشكل عشوائي، لكن هذا كان تذكيراً آخر بأن جميع المنافسين على البطولة هذا العام لديهم كثير مـن نقاط الضعف والعيوب.
* خدمة «الغارديان»