موفد يلا شوت الي مراكش – برز اسم أشرف حكيمي فى آخر مرحلة مـن السباق الي جَائِزَةٌ افضل لاعـب أفريقي لعام 2023، بينما استقر صلاح فى نوايا التصويت لدى مجموعه اللجنة التى ضمت خبراء فنيين ونجوم أفريقية سابقة وممثلين مـن وسائل الإعلام. فى النهايه، استطاع فيكتور أوسيمهن مـن إزاحة المدافع المغربى والمهاجم المصرى عَنْ طريق التتويج ليصبح خامس نيجيري يفوز بالجائزة. فما الذى ساعد المهاجم النيجيري على تحقيق هذا الإنجاز؟
حضر فيكتور أوسيمهن الي حفل جوائز الاتحاد الأفريقي لكرة القـدم “كاف” 2023 بتفاؤل شاب بشوش فخور بما قدمه وساهم فى إنجازه اثناء العام المنصرم مع ناديه نابولي الإيطالي وكذلك فى صفـوف المنتخـب النيجيري. حضر الرجل البالغ 24 عاما مطمئنا مـن ان نزاهة لجنة “التحكيم” وحسن نية أعضائها ستعطيه الأفضلية على منافسيه المتميزين، أشرف حكيمي ومحمد صلاح، اللذين غابا عَنْ أجواء الاحتفال التى عاشتها عائلة الكره القارية فى مدينة مراكش.
نعم، برز اسم حكيمي فى آخر مرحلة مـن السباق عندما صرح “كاف” الخميس الماضي لائحة اللاعبـين الثلاثة المتنافسين على البطولة. نعم، استقر صلاح، الفائز بالجائزة عامي 2017 و2018، فى نوايا التصويت لدى مجموعه اللجنة. لكن أوسيمهن كان مـن اثناء أدائه البطولي مع نابولي وتطور مسيرته المثير للإعجاب والذهول، الأفضل بين اللاعبـين الأفارقة بين نوفمبر/تشرين الثانى 2022 وسبتمبر/أيلول 2023، وهي الفتره التى أُخذت بعين الاعتبار للفصل بين المتنافسين الثلاث.
فماذا قدم أوسيمهن ليصبح خامس نيجيري يفوز بلقب لاعـب العام فى أفريقيا بعد رشيدي يكيني (1993) وإيمانويل أمونيكي (1994) ونوانكو كانو (1996، 1999) وفيكتور إكبيبا (1997)؟
هداف وبطل الدورى الإيطالي
لفت المهاجم النيجيري الانتباه قبل انتقاله الي نابولي فى صيف 2020 قادما مـن فريق ليل الفرنسي. فقد أثبت قدرته على التكيف مع محيطه الجديـد ونجح فى الانخراط بانتظام وانسجام فى صفـوف ليل (شمال فرنسا) عندما انضم إليه فى 2019 قادما مـن شارلوروا البلجيكي، وتمكن مـن تَسْجِيلٌ 15 هدفا فى 32 مباراة. وكان قد سجل فى الدورى البلجيكي 19 هدفا اثناء موسمه الوحيد فى هذه البطولة (2018-2019) بعد ان قضى عامين فى فريق فولسبورغ الألماني.
ولدى وصوله الي نابولي، بدأ يكتشف طريقة لعب جديدة فى فريق لم يذق طعم التتويج منذ عَامٌ 1990 عندما فـاز بلقب الدورى للمرة الثانية بقيادة العبقري الأرجنتيني الراحل دييغو مارادونا. ورغم صعوبة ظروف التأقلم، إلا أنه تألق وسجل عشر اهداف، معلنا نيته المضي قدما مع فريق الجنوب الإيطالي. فكان موسمه الاول بمثابة استعداد بدني وذهني لإتمام طموحه، فحسّن سجله التهديفي بشكل كثير فى العام الموالي إذ هز الشباك 18 مرة، ليبلغ رصيده فى 2022-2023 31 هدفا بينها 26 فى الدورى. وساهم أوسيمهن فى إحراز نابولي البطولة وتصدر ترتيـب الهدافين مثيرا إعجاب زملائه فى نابولي ونظرائه فى باقي الفرق الإيطالية الذين انتخبوه لاعـب العام فى البطولة.
وقادته تلك الإحصاءات الي اختراق سباق الجائزة الذهبية التى تمنحها مجـلة “فرانس فوتبول” الفرنسية، محتلا المركـز الثامن فى الترتيب الأخير شهر أكتوبر/تشرين الاول ليصبح أول نيجيري يحقق هذا الإنجاز، وكان أول لاعـب مـن القارة الأفريقية فى هذا الترتيب متقدما على صلاح بثلاثة مراكز، بينما غاب أشرف حكيمي عَنْ قائمة الثلاثين الأوائل.
طفولة صعبة فى لاغوس
يمكن الجزم، بالتالي، بأن فـوز أوسيمهن بجائزة افضل لاعـب أفريقي لعام 2023 منطقي لا غير ذلك، على الرغم مـن ان صلاح يواصل كسر الحواجز فى مسيرته الخرافية مع ليفربول حيـث جاء الي رصيده مـن الأهداف 200 هـدف، ورغم ان حكيمي سيظل أحد أبطال ملحمة “قطر 2022” مع “أسود” المغرب، أول منتخـب أفريقي يبلغ نصف نهائى كاس العالم.
اعلن اللاعب النيجيري لدى تسلم الجائزة مـن أيدي رئيس الاتحاد الأفريقي لكرة القـدم باتريس موتسيبي، “كم هو سعيد بالتتويج، بتحقيق هذا الحلم الذى أصبح حقيقة”، وسارع الي مطار مراكش-المنارة لأجل التأهل الي طائرة العودة الي نابولي حيـث تنتظره مباراة بدوري أبطال أوروبا امام فريق براغا البرتغالي.
وربما كان الشاب يراجع فيلم حياته فى عاصمة نيجيريا لاغوس حيـث ترعرع وسـط أسرة مـن سبعة أطفال، قرب محطة تفريغ النفايات؟ كانـت ظروف العيش قاسية بالنسبة إليه، إذ ان والدته توفيت وهو صبي بينما والده تنقل بين المهن البسيطة ليوفر لقمة عيش لأسرته.
مـن نقمة ألمانيا الي نعمة إيطاليا
ركز الطفل جل طاقته على ممارسة كرة القـدم، وحظي بمساعدة شقيقه الأكبر الذى ضحى بأحلامه الشخصية لأجل الاهتمام بهذا الفتى الموهوب، لينضم الأخير الي أكاديمية “يولتميت سترايكرز” فى لاغوس. فتخطى أوسيمهن المراحل بثبات وعزيمة مضاعفة، الي ان خطف انتباه نجم منتخـب نيجيريا فى تسعينات القرن الماضي إيمانويل أمونيكي، والذي استدعاه بصفته مدربا لمنتخب “النسور الخضراء” لأقل مـن 17 عاما لخوض كاس الأمم الأفريقية 2015.
سجل اللاعب الشاب أربعة اهداف اثناء تلك المنافسة وكان افضل هداف فيها، مثيرا إعجاب وترحيب أمونيكي، ما قاد الأخير لاستدعائه لخوض كاس العالم أقل مـن 17 عاما فى الشيلي. وهنالك تألق أوسيمهن وقاد نيجيريا لإحراز البطولة العالمي بفوزها فى النهائى امام مالي 2-صفر، وسجل أول هدفي الفـوز لينهي المنافسة فى قمة ترتيـب الهدافين إذ هز الشباك عشر مرات.
تهاطلت العروض المغرية على اللاعب الموهوب، لينتقل فى آخر المطاف الي فريق فولسبورغ الألماني. وكان الخيار غير موفق، فانتقل الشاب مـن صعوبة التأقلم مع عالمه الجديـد ومع الجو الألماني البارد الي فشل التألق على yalla shoot. ولاحقته الجروح كَمَا المصائب، لاسيما عندما ترصد لداء الملاريا اثناء إحدى زياراته للعائلة بلاغوس، وهو ما شكل نكسة بالنسبة إليه، فصرف فولسبورغ النظر عنه ليضطر أوسيمهن الي الانتقال لبلجيكا حيـث استقبله فريق شارلوروا على سبيل الإعارة ومنحه فرصة ثانية فى أوروبا. فاستغلها افضل استغلال.
كانـت تلك بداية جديدة للاعب النيجيري، فاستعاد الثقة بالنفس واستعاد قدرته التهديفية ما دفع بشارلوروا لشراء اللاعب وبيعه فى الوقت ذاته لنادي ليل الفرنسي حيـث أوكلت له عملية خلافة هداف النادي الإفواري نيكولا بيبي المنتقل لأرسنال الإنكليزي. وما إن مرت سنة على وصوله الي شمال فرنسا حتـى توج بجائزة افضل لاعـب أفريقي بالدوري (الفرنسي) لعام 2020 والتي تمنحها سنويا فرانس24 وإذاعة فرنسا الدولية (إر إف إي). فانتقل الي نابولي مقابل نحو 40 مليون يورو.
عملية البقاء على قيد الحياة
لهذه الأسباب، وقف فيكتور أوسيمهن امام الحضور بقصر المؤتمرات بمراكش، مساءا الاثنين، مبتسما ومستذكرا أيام حياته الصعبة، مشددا فى خطابه المقتضب على “عشقه كرة القـدم منذ الصغر، لأن ممارسة هذه الرياضة هى التى جعلته دائما سعيدا وأنسته ما حوله”. وكان قد أسر لمجلة فريق نابولي فى 2022 أنه “كان يمشي حافيا” فى شوارع لاغوس، وكان “لا يعيش” حياته بل “يفكر فقط فى البقاء حيا” وهو “أمر صعب” بالنسبة لأي صبي كان.
ولم يبق لهذا الفتى سوى ان يتم مسيرته مع منتخـب نيجيريا، الغائب عَنْ منصات التتويج منذ لقبه القاري فى 2013 بجنوب أفريقيا. فقد خرج خائبا فى النسخه الاخيره مـن كاس الأمم الأفريقية بالكاميرون مـن ثمن النهائى كَمَا أنه فشل فى التأهل لخوض مونديال قطر 2022. فما الهدف امام أوسيمهن اليـوم سوى الحلم بالالقاب اثناء نسخة 2023 التى تبدأ فى يناير/كانون الثانى القادم فى ساحل العاج: “هدفنا الفـوز بالالقاب، ونحن جاهزون لتحقيق المبتغى”.