فى منتصف يناير (كانون الثانى) الماضي، وبالتحديد قبل زيارة توتنهام ستاد الاتحاد لمواجهة مانشستر سيتي، كان المدير الفنى لسيتي، جوسيب غوارديولا، غاضباً بشدة وهو يتحدث اثناء اجتماع يضم لاعبى النادي، بمَن فى ذلك إيرلينغ هالاند وكيفين دي بروين وجون ستونز وإيدرسون. وكان مانشستر سيتي آنذاك يأتي المركـز الثانى فى ترتيـب الدورى الانجليزي الممتاز بفارق 8 نقاط خلف المتصدر (آرسنال)، بعد ان لعب كل منهما 18 مباراة.
كان مستوى مانشستر سيتي تراجع بشكل ملحوظ، وخسر مباراته الاخيره قبل توقف الدورى بسـبب إقامة كاس العالم، بهدفين مقابل هـدف وحيد على ملعبه امام برينتفورد. اما بعد استئناف المنافسه بعد نهاية المونديال، فكان مانشستر سيتي قد حَقَّق فوزا على ليدز يونايتد وتشيلسي، وتعادل مع إيفرتون، وخسر مباراته السابقة امام مانشستر يونايتد بهدفين مقابل هـدف وحيد. وكان الحصول على 7 نقاط فقط مـن 15 مباراة لا يناسب على الإطلاق فريقاً يحاول للدفاع عَنْ لقب الدورى، وعندما ودّع مانشستر سيتي كاس “رابطه الاندية” الإنجليزية المحترفة بعد الخسارة امام ساوثهامبتون بهدفين دون رد، بدأ غوارديولا يعتقد بأن مانشستر سيتي خرج عَنْ مساره الصحيح.
وقال المدير الفنى الإسباني للاعبيه، على أمل رؤية رد فعل قوي امام توتنهام: «إننا نلعب بهدوء أكثر مـن اللازم». لكن رد الفعل فى المباراه التالية لم يكن على المستوى المطلوب أيضاً، فعلى ستاد الاتحاد فى يـوم الخميس، الموافق التاسع عشر مـن يناير، كان مانشستر سيتي متأخراً امام توتنهام بعد نهاية الشوط الاول بهدفين دون رد. وعلى الرغم مـن العودة الكبيرة مـن جانب مانشستر سيتي وقلب النتيجة لتنتهي المباراه بالفوز بأربعة اهداف مقابل هدفين بعدما أَحِرْزٌ رياض محرز هدفين وأحرز كل مـن هالاند وجوليان ألفاريز هدفاً، فإن غوارديولا شنّ هجوماً لاذعاً على لاعبيه على الملأ بشكل غير مسبوق.
وقال غوارديولا للصحافيين، الذين شعروا بالذهول مـن هجـوم “رأس الحربة” المدير الفنى الإسباني على لاعبيه لأول مرة منذ توليه المسؤولية فى صيف عَامٌ 2016: «نحن فريق مستأنس للغاية، وأنا لا أريد هذا. أنا أريد ان أفوز على آرسنال، وأريد ان يكون رد الفعل قوياً، ليس مـن جانب اللاعبـين فحسب، ولكن مـن جانب العاملين والطاقم الفنى والمنظومة بأكملها». وعلى الرغم مـن ان هذا الهجوم النادر مـن جانب غوارديولا للاعبيه كان يحمل تهديداً ضمنياً بإمكانية استبعاد اللاعبـين الذين لا يقومون بعملهم كَمَا ينبغي، فإن المدير الفنى الإسباني كان بارعاً أيضاً فى كيفية الحفاظ على ولاء وحب لاعبيه، بالإضافة الي أنه كان يلجأ الي الحيل الممكنة جميعها لبث الحماس فى نفوس لاعبيه مـن اجل مواصلة المنافسة مع آرسنال بقيادة ميكيل أرتيتا.
لقد انضم مانشستر سيتي الي قائمة الانديه التى فازت بلقب الدورى الانجليزي الممتاز 3 مرات متتالية، وهي هيدرسفيلد، وآرسنال، وليفربول… ومانشستر يونايتد (مرتين). وخلال هذا العام الاستثنائي، دفع غوارديولا بلاعب يبلغ مـن العمر 18 عاماً، وهو ريكو لويس، الذى لعب دوراً كبيراً فى فـوز مانشستر سيتي بلقب الدورى للمرة الخامسه فى آخر 6 مواسم تحت قيادة غوارديولا. ففي مدة الاستعداد للموسم الجديـد، ظهر اللاعب البالغ مـن العمر 17 عاماً آنذاك، للمرة الأولى فى الدقيقه 76 مـن المباراه التى فـاز فيها مانشستر سيتي على فريق كلوب أميركا المكسيكي فى هيوستن بهدفين مقابل هـدف وحيد. وشارك لويس مرة أخرى بعد ذلك بأيام قليلة، وكان ذلك فى المباراه التى فـاز فيها مانشستر سيتي على بايرن ميونيخ بهدف دون رد، عندما دفع به غوارديولا فى الدقائق الاخيره مـن اللقـاء.
لقد رأى المدير الفنى الإسباني ان هذا اللاعب الشاب يمتلك مـن القدرات والإمكانيات ما يؤهله لأن يكون لاعباً كبيراً، وبالفعل أشركه فى ثاني مباريات النادي فى الدورى، بالقرب مـن نهاية المباراه التى فـاز فيها مانشستر سيتي على بورنموث برباعية نظيفة. وفي المرة الأولى التى يشارك فيها فى التشكيلة الأساسية لمانشستر سيتي، وهي المباراه التى فـاز فيها النادي على إشبيلية الإسباني بثلاثة اهداف مقابل هـدف وحيد فى دورى أبطال أوروبا فى نوفمبر (تشرين الثانى) الماضي، أصبح لويس ثاني أصغر لاعـب إنجليزي خلف جود بيلينغهام يسجل فى البطولة، بعمر 17 عاماً و346 يوماً.
إن قدرة لويس على الدخول مـن على الأطراف الي عمق الْمَلْعَبُ مـن اجل إحداث زيادة عددية لفريقه فى الوسـط تعد بمثابة الاكتشاف الخططي الذى وفر لغوارديولا بُعداً تكتيكياً إضافياً اثناء دفاع فريقه عَنْ البطولة. وعلاوة على ذلك، سيكون لهذا اللاعب الشاب تأثير حاسم خارج الْمَلْعَبُ أيضاً؛ لأن الاعتماد عليه يعد مؤشراً واضحاً الي رغبة غوارديولا فى ضخ دماء جديدة وشابة لصفوف النادي. وعندما رفض جواو كانسيلو، الظهير الأيسر الاساسى، المشاركة فى عَدَّدَ أقل مـن المباريات والدقائق، قرر غوارديولا إعارته الي بايرن ميونيخ فى اليـوم الأخير لفترة الصفقات الشتوية، وهو يعلم ان لويس قادر على اللعب فى هذا المركـز فى حال الحاجة إليه.
فى أوائل يناير امام تشيلسى، وبينما كانـت النتيجة تشير الي التعادل مع نهاية الشوط الاول، ســاهم لويس، وساهم فى فـوز فريقه بهدف دون رد مـن توقيع النجـم الجزائري رياض محرز فى الدقيقه 63. بحلول ذلك الوقت، كان مانشستر سيتي قد تفوق على آرسنال، وقبل ذلك بيوم واحد اعلن غوارديولا: «يعود الفضل فى ذلك الي ريكو… لقد ساعدنا على فهم ما يتعين علينا القيام به للعب بشكل افضل. فى آخر 10 مباريات لم يلعـب كثيراً، لكن دون ريكو هذا العام فإن الخطوة التى قطعناها بوصفنا فريقاً كانـت ستصبح أكثر صعوبة. أنا مقتنع جداً بذلك. التحركات التى يقوم بها تجعل كثيراً مـن الأشياء سهلة وسلسة. بعد ذلك، لعب كايل ووكر، وجون ستونز فى هذا المركـز بشكل استثنائي».
وتجب الإشادة هنا أيضاً بغوارديولا، الذى قاد النادي بدهاء الانتصار بالالقاب مرة أخرى. ومنذ إعلان رابطة الدورى الانجليزي الممتاز توجيه أكثر مـن 100 تهمة بارتكاب مخالفات مالية امام النادي فى السادس مـن يناير – نفى النادي هذه التهم جميعها – لم يتعرض مانشستر سيتي لأي خسارة. ومن الواضح ان غوارديولا استغل هذا الامر جيداً لتحفيز لاعبيه فى موسـم سيكون استثنائياً فى تاريخ النادي.
وإذا فـاز مانشستر سيتي على مانشستر يونايتد فى المباراه النهائيه لكأس الاتحاد الانجليزي فى الثالث مـن يونيو (حزيران)، ثم على إنتر ميلان الإيطالي فى المباراه النهائيه لدوري أبطال أوروبا بعد ذلك بأيام، فسيلتحق مانشستر سيتي بجاره وغريمه التقليدي مانشستر يونايتد بصفتهما الناديين الإنجليزيين الوحيدين اللذين فازا بـ«الثلاثية التاريخية» فى موسـم واحد. لكن بمجرد ان يحدث ذلك، سوف يحصل غوارديولا على بعض الراحة، ثم يواصل العمل مـن اجل الاستعداد للموسم الجديـد، وتحقيق ما لم يحققه اى نادٍ آخر جاء الى، وهو الفـوز بلقب الدورى الانجليزي الممتاز 4 مرات متتالية!
* خدمة (الغارديان)