بدا الامر وكأنه عودة الي تلك الأيام الحزينة عندما واجه المدير الفنى لآرسنال، ميكيل أرتيتا، وسائل الإعلام بوجه شاحب وحزين بعد الخسارة القاسية التى ترصد لها فريقه امام برايتون بثلاثية نظيفة. فى الحقيقة، لم يكن هناك المزيد مـن الأسباب التى تدعو للحزن والاكتئاب هذا العام، وحتى فى أعقاب اى تعـادل أو خسارة كان أرتيتا يؤكد بشكل عَامٌ على الجوانب الإيجابية والقدرة على إعادة النادي الي الطريق الصحيح. لكن هذه المرة، كان هناك شعور واضح بأن حلم الفـوز بلقب الدورى الانجليزي الممتاز انتهى تماماً، وبالتالي كان الحزن يسيطر على المدير الفنى الإسباني الشاب.
وقال أرتيتا محبطاً: «إذا كان النادي يريد فى المنافسة على الالقاب، فهناك المزيد مـن الأشياء التى يجب تحليلها والتفكير فيها، لانه لا يمكن ان يحدث هذا». وأكد أرتيتا فى وقت لاحق على ان آرسنال كان أقل مـن المستوى المطلوب للمنافسة على الالقاب، سواء على المستوى المحلي أو فى دورى أبطال أوروبا. فى الحقيقة، لم يكن هذا شيئاً جديداً الي حد ما، فقد كان مـن الواضح للجميع ان آرسنال بحاجة دائما الي تدعيم هذا الصيف، وكان هناك شعور سائد بأن النادي قدم مستويات تفوق كل التوقعات فى ضوء العناصر الموجودة. ولكي ندرك كيف انهار النادي فى المرحله الحاسمة مـن العام، يتعين علينا ان نُقسم العام الي جزأين: أول 19 مباراة، بما فى ذلك الفـوز الدراماتيكي على مانشستر يونايتد فى يناير (كانون الثانى)، والتي حصل فيها آرسنال على 50 نقطه بمتوسط 2.63 نقطه لكل مباراة؛ ثم الـ17 مباراة التالية، والتي حصل فيها آرسنال على 31 نقطه بمتوسط 1.82 نقطه فى المباراه الواحدة. لقد أمضى آرسنال النصف الاول مـن العام فى ثوب البطل، ثم ظهر فى النصف الثانى وكأنه فريق سينهي العام ضوء المراكز مـن الثالث وحتى السادس.
لقد كان الفرق هائلا بين النصف الاول والنصف الثانى مـن العام، على الرغم مـن أنه كان مـن المتوقع ان يحدث تراجع فى المراحل الحاسمة لهذا النادي الشاب الذى لا يمتلك خبرات كبيرة وينافس على هذا المستوى لأول مرة. مـن المؤكد ان ما حدث قد تسبب فى إحباط شديد لأرتيتا، الذى ربما يرى ان الإصابات التى عصفت بأهم لاعبى النادي كانـت سببا مباشرا فى هذا التراجع، لكنه يعلم أيضا أنه لا يمكن إيجاد تفسير واضح لبعض الامور. لقد تأثر آرسنال كثيرا بغياب غابرييل جيسوس وويليام صليبا فى مراحل مختلفة مـن العام، وكان مـن الممكن الاعتماد على تاكيهيرو تومياسو الذى يجيد اللعب فى أكثر مـن مركز، لكنه ترصد للإصابة هو الآخر. وبالتالي، يتعين على آرسنال ان يكون لديه عَدَّدَ مـن البدائل المناسبة لتعويض اى لاعـب أساسي يتغيب عَنْ المشاركة لأي سبب مـن الأسباب، إذا كان يريد حقا المنافسة على الالقاب والألقاب فى المستقبل.
ويجب الإشارة هنا الي أنه عندما غاب صليبا عَنْ المباريات بسـبب الإصابة، كان مـن المفترض ان يكون بديله افضل مـن روب هولدينغ أو جاكوب كيويور، على الرغم مـن ان كيويور قدم مستويات فى الأسابيع الاخيره تشير الي أنه قادر على ان يكون لاعبا مميزا للغاية. وعلى الأطراف، لا يوجد منافس قوي لبوكايو ساكا، الذى تراجع مستواه بشكل ملحوظ فى الآونة الاخيره؛ ومن الواضح أيضا ان فابيو فييرا ليس مستعداً ليكون بديلا قويا لمارتن أوديغارد إذا لزم الامر. وفي الخط الأمامي، يبدو النادي بحاجة ماسة الي التعاقـد مع مهاجـم قوي ويمتلك قدرات فنية كبيرة لكي يكون بديلا لجيسوس؛ وفي مركز الظهير الأيسر فإن كيران تيرني لاعـب جيد لكنه لا يرتقي الي مستوى أولكسندر زينتشينكو ويبدو غير قادر على القيام بالواجبات المطلوبة منه وفق طريقة اللعب التى يعتمد عليها أرتيتا.
ولكي يواصل آرسنال التطور فى موسـم 2023 – 2024، يجب ان يكون لدى أرتيتا بدائل وخيارات افضل؛ بمعنى ألا يؤثر غياب اى لاعـب ومشاركة لاعـب آخر على مستوى وفاعلية النادي ككل. ويعني هذا ضرورة ان يتعاقد النادي مع لاعبين آخرين يمتلكون قدرات وفنيات كبيرة، ولكي يتم جذب مثل هؤلاء اللاعبـين يجب ان تكون هناك رغبة أكبر مـن المدير الفنى فى التغيير والتطوير. يريد أرتيتا ان يكون ساكا قادراً على لعب أكثر مـن 60 مباراة فى العام، لكن مـن المؤكد أنه سيكون مـن الأفضل وجود لاعـب آخر يمتلك قدرات جيدة – ربما مثل لاعـب باير ليفركوزن، موسى ديابي – ويكون مستعدا للمشاركة فى التشكيلة الأساسية للفريق فى ثلث هذه المباريات على الأقل. وربما سيقل الضغط كثيرا مـن على كاهل جيسوس فى حال وجود مهاجـم آخر مـن الطراز الرفيع يكون قادرا على اختراق دفاعات الفرق المنافسة عند الضرورة. وينطبق الامر نفسه أيضا على صليبا، الذى لم يتفق على توقيع عـقد جديد حتـى الان، فى حال وجود بديل جيد.
لكن الخط الأكثر اهميه هو ذلك الذى يمتلك فيه آرسنال لاعبين أصحاب خبرات كبيرة، وهو الوسـط. سيكون جورجينيو وتوماس بارتي وغرانيت شاكا فى سن 31 و30 و30 على التوالي عندما يبدأ العام القادم؛ كَمَا يبلغ محمد الننى، الذى مـن المرجح ان يظل بديلا لعام آخر عندما يكون لائقا مـن الناحية البدنية، 31 عاماً قريباً. ليس سرا ان آرسنال يريد فى التعاقـد مع ديكلان رايس، لكن يمكن القول إنه سيكون هناك مجال لضم لاعـب آخر كخيار على المدى الطويل، وهو موسيس كايسيدو، وهو الامر الذى سيعيد التوازن الي خط وسـط آرسنال ويساعد فى تقليل معدل أعمار اللاعبـين به، إذا كانـت لدى النادي القدرة المالية التى تساعده على ضـم اللاعب. ويعني هذا ان النادي قد يتخلى عَنْ أحد اللاعبـين المخضرمين فى الوسـط. لقد أشاد أرتيتا بتشاكا مؤخرا، مشيرا الي أنه «ربما قدم افضل موسـم له فى النادي على الإطلاق»، لكن يوجد شعور بأن كلا الطرفين قد يريد فى الانفصال عند هذه النقطة.
مـن المرجح ان يحصل آرسنال على نحو 80 مليون جنيه إسترليني إذا رحل تيرني، وهولدينغ، وتشاكا، وإميل سميث رو، الي جانب لاعبين آخرين أصغر سنا مثل فولارين بالوغون وتشارلي باتينو. مـن المتوقع ان يقوم آرسنال بعمل كثير فى سوق الصفقات، وسيبحث أرتيتا عَنْ لاعبين جدد يمتلكون قدرات وفنيات جيدة ولا يكلفون خزائن النادي المزيد مـن الأموال، وهي معادلة صعبة بكل تأكيد. وربما يتساءل أرتيتا أيضا عما إذا كانـت الفرق المنافسة قد فهمت الطريقة التى يلعـب بها آرسنال فى النصف الثانى مـن العام، وبالتالي لم يعد النادي قادرا على مفاجأتهم. لقد ظهر آرسنال بشكل أضعف كثيرا امام الضغط العالي والمتواصل فى الأسابيع الاخيره، كَمَا بدا النادي غير قادر على بناء الهجمات مـن الخلف للأمام بشكل جيد، وتلقى أهدافا سهلة وساذجة امام ساوثهامبتون وبرايتون، الي جانب ركلة الجـزاء المثيرة للجدل التى احتسبت لوستهام قبل شهر مـن الان والتي ربما ساهمت فى تغيير مسار العام ككل. وفي الخط الأمامي، قضى جيسوس المزيد مـن وقته فى التحرك فى مناطق أقل خطورة، بينما كان ساكا، الذى يمثل تهديداً كبيراً للمنافسين مـن على الأطراف ومن عمق الْمَلْعَبُ، يُطلب منه فى كثير مـن الأحيان اللعب على الأطراف ناحية قدمه اليمنى الأضعف بدلا مـن الدخول الي عمق الْمَلْعَبُ والسماح له باستخدام قدمه اليسرى الكبيرة.
وفي الدورى الانجليزي الممتاز الذى تعرف فيه كل الفرق بعضها بعضاً جيداً، يتعين على أرتيتا ان يقوم بمفاجآت جديدة. وخلال العام القادم، مـن المتوقع ان يمثل نيوكاسل تهديداً قوياً، ومن المنتظر أيضاً ان تقوم أندية مانشستر يونايتد وليفربول وتوتنهام وتشيلسي بتدعيم صفوفها بشكل قوي. وقال أرتيتا: «يتعين عليك ان تفعل المزيد مـن الأشياء الجيدة، والأشياء التى لا تُصدق، لكي تحتل المركـز الثانى فى هذا الدورى، وقد فعلنا ذلك». سوف يتفق معه التَّارِيخُ، لكنه سوف يذكر أيضاً أنه كان قاب قوسين أو اقل مـن الفـوز بالالقاب لولا التراجع الغريب فى الأمتار الاخيره، وهو الامر الذى أصاب المدير الفنى الإسباني الشاب بالإحباط الشديد!